سورة الحشر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


{لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12)}
قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ} أي منهزمين. {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} قيل: معنى {لا يَنْصُرُونَهُمْ} طائعين. {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ مكرهين لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ}.
وقيل: معنى {لا يَنْصُرُونَهُمْ} لا يدومون على نصرهم. هذا على أن الضميرين متفقان.
وقيل: إنهما مختلفان، والمعنى لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون، ولين قوتلوا لا ينصرونهم. {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} أي ولين نصر اليهود المنافقين {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ}.
وقيل: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} أي علم الله منهم أنهم لا يخرجون إن أخرجوا. {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ} أي علم الله منهم ذلك. ثم قال: {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ} فأخبر عما قد أخبر أنه لا يكون كيف كان يكون لو كان؟ وهو كقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].
وقيل: معنى {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} أي ولين شئنا أن ينصروهم زينا ذلك لهم. {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ}.


{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13)}
قوله تعالى: {لَأَنْتُمْ} يا معشر المسلمين {أَشَدُّ رَهْبَةً} أي خوفا وخشية {فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} يعني صدور بني النضير.
وقيل: في صدور المنافقين. ويحتمل أن يرجع إلى الفريقين، أي يخافون منكم أكثر مما يخافون من ربهم ذلك الخوف. {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.


{لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)}
قوله تعالى: {لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً} يعني اليهود {إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} أي بالحيطان والدور، يظنون أنها تمنعهم منكم. {أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ} أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم. وقراءة العامة جُدُرٍ على الجمع، وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم، لأنها نظير قوله تعالى: {فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} وذلك جمع. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو {جدار} على التوحيد، لان التوحيد يؤدي عن الجمع. وروي عن بعض المكيين {جدر} بفتح الجيم وإسكان الدال، وهي لغة في الجدار. ويجوز أن يكون معناه من وراء نخيلهم وشجرهم، يقال: أجدر النخل إذا طلعت رءوسه في أول الربيع. والجدر: نبت واحدته جدره. وقرئ: {جدر} بضم الجيم وإسكان الدال جمع الجدار. ويجوز أن تكون الالف في الواحد كألف كتاب، وفي الجمع كألف ظراف. ومثله ناقة هجان ونوق هجان، لأنك تقول في التثنية: هجانان، فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى، قاله ابن جني.
قوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يعني عداوة بعضهم لبعض.
وقال مجاهد: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي بالكلام والوعيد لنفعلن كذا.
وقال السدي: المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد.
وقيل: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} يعني اليهود والمنافقين، قاله مجاهد. وعنه أيضا يعني المنافقين. الثوري: هم المشركون واهل الكتاب.
وقال قتادة: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} أي مجتمعين على أمر وراي. {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} متفرقة. فأهل الباطل مختلفة آراؤهم، مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق. وعن مجاهد أيضا: أراد أن دين المنافقين مخالف لدين اليهود، وهذا ليقوي أنفس المؤمنين عليهم.
وقال الشاعر:
إلى الله أشكو نية شقت العصا *** هي اليوم شتى وهي أمس جمع
وفي قراءة ابن مسعود {وقلوبهم أشت} يعني أشد تشتيتا، أي أشد اختلافا. {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} أي ذلك التشتيت والكفر بأنهم لا عقل لهم يعقلون به أمر الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7